وقد مات عباد الله الصادقون من
دهر طويل، وعاش في الناس بعدهم الكذب، فنحن نكذب في أقوالنا وأفعالنا، ونكذب في
أسواقنا وبيوتنا، في مجاملاتنا ومخاصماتنا، نقول للصديق: مشتاقون إليك وما بنا
إليه من شوق، ونهدد العدو بأننا سنبطش به، وما نقوى على بطش، صار الكذب لنا
ديناً، فالسائل يكذب إذ يدعي الحاجة والفقر، والتاجر يكذب إذ يدعي الجودة والرخص،
والموظف يكذب إذ يشتكي الشغل ويعد إلى غد، وفي غد إلى ما بعد غد، والخبير يكذب إذ
يقدّر الدار بكذا ويحلف أنه ما قال إلا ما يراه حقاً، وهو ما قال إلا ليرضي الخصم،
الذي اتفق معه في الليل على أن يكون معه في النهار، والخياط يكذب إذ يقول لك
الخميس، وهو يعلم أنه لن يكون إلا الأحد، والمرشح يكذب إذ يعد الناس ويمنيهم، وما
يعدهم إلا غروراً، والحكومات كلها تنسج برامجها الوزارية من خيوط الأكاذيب ثم لا
تحقق منها شيئاً، والدول الكبرى تكذب إذ تؤكد أنها تدافع عن السلام بإثارة الحرب!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق